ينظر الإسلام إلى المرأة على أنها شِقُّ الرجل في الإنسانية، والمرأة في الإسلام هي أهلٌ للتكليف الديني ولقبول العمل منها كالرجل لقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(النحل:97).
والخطاب القرآني لا يكتفي بصيغة المذكر التي تشمل الجنسين باتفاق العلماء، ولا حتى بصيغة الإنسان بلفظها المحايد الذي يعم الجنسين، إنما يبلغ الأمر حد تخصيص الحديث لكلٍ من الذَّكر والأُنثى لمنع أي لَبس يفسره البعض لصالح الرجال وحرمان المرأة. من ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾(الأحزاب:35). فهل من تذكير بدور المرأة ومكانتها ومشاركتها أكثر وضوحاً من هذه الصياغات المتكررة بلفظي المذكر والمؤنث على حدٍ سواء؟ وهذا ما يجعلني أُطلق على هذه الآية مصطلح: "النص الذهبي المقدس لمساواة المرأة بالرجل في الإسلام"، إلى جانب نصوص أخرى كثيرة في الباب. فنحن لم نشهد نصاً مماثلاً في أية ثقافة أخرى لا قديماً ولا حديثاً.
وفي مجال أهلية المرأة للتصرفات الحياتية والمالية: شرع الإسلام للمرأة ذمة مالية مستقلة عن الأب والزوج وسائر الأقارب. فمالُها خاصٌ بها ولها مطلق التصرف به. ولم يفرق الإسلام بين الجنسين في أي من أنواع التصرفات والتعاقدات المالية كالبيع والإجارة والرهن والوكالة والشركة والوقف وسواها، مع أن عدداً من المجتمعات الأوروبية قد استمر في منع المرأة من أية تعاقدات بحجة أنها قاصر حتى بدايات القرن الماضي.
وعمدَ الإسلامُ من أوَّل يومٍ إلى إنصاف المرأة ورفع الظلم الذي لحق بها عبر العصور، وتمثّلَ إنصاف الإسلام للمرأة في تصحيح المفاهيم التاريخية الظالمة للمرأة، في المجتمعات قبل الإسلام. وفي ترسيخ مفاهيم إيجابية تُنصف المرأة وتضعها في مكانتها التي أرادها تعالى الله لها.
ومن المفاهيم الخاطئة حول المرأة والتي قام الإسلام بتصحيحها تحريم الإسلام التشاؤم من ميلاد الأنثى وحرّم وأدَها، وذلك بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾(النحل: 58-59)، وبقوله
تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بأي ذنبٍ قُتلت﴾(التكوير: 8-9). وذلك خلافاً لبعض عرب الجاهلية وغيرهم.
أثر العادات والتقاليد في النظرة إلى المرأة:
لا شكَّ أن تعاليم الإسلام بخصوص المرأة تواجه اليوم تحديّاتٍ عديدةً، منها ما يتعلق بالمفاهيم الغريبة الوافدة إلينا من ثقافات وشعوب مغايرة، ومنها ما يتعلّق بعاداتنا المتوارثة التي يتعارض بعضُها مع التعاليم الإسلامية.
ومما لا شك فيه أن العادات والتقاليد تؤثر سلباً أو إيجاباً على مكانة المرأة. وبالتالي، فإننا مدعوون لإعادة النظر في عاداتنا لفحص صلاحيتها لزماننا ولمدى صلتها بديننا. ونحن حين نصنع هذا نخدم المرأة ونسهم بتنمية المجتمع من جهةٍ، كما نسهم في تنقية فهمنا للدين من جهةٍ أخرى.
لكن، ورغم ما قد يشوب عاداتنا من مثالب وعيوب، إلا أنه لا ينبغي أن نكون ممن يكثرون الهجوم على عاداتنا وتقاليدنا ومنظومتنا الثقافية والفكرية جملة واحدة. ذلك أن جانباً من عاداتنا وثقافاتنا إنما يستمد جذوره من قيمنا الإسلامية ومن تعاليم ديننا الحنيف ومن تراثنا العريق.
كما أن عادات الآخرين وثقافاتهم ليست أفضل من عاداتنا جملةً واحدةً. فالثقافات الوافدة علينا بعضها مشبع بفلسفة الآخرين التي نختلف معها في بعض الجوانب ونتفق معها في جوانب أخرى.
بقلم د. ناصر الشاعر، أستاذ الفقه الإسلامي في كلية الشريعة - جامعة النجاح الوطنية